الضباب الدخاني.. تلوث الهواء في العاصمة العراقية يهدد الصحة العامة والبيئة

الضباب الدخاني.. تلوث الهواء في العاصمة العراقية يهدد الصحة العامة والبيئة
الضباب الدخاني في بغداد

شهدت العاصمة العراقية بغداد مؤخراً انتشار سحب كثيفة من الأدخنة الرمادية التي غطت المدينة بالكامل، ما أثار مخاوف الأهالي وقلقهم على الصحة العامة، وأكدت وزارة البيئة العراقية أن هذه الظاهرة تمثل ما يُعرف بالضباب الدخاني، مشددة على ضرورة التزام جميع الجهات بتعليمات محددات الانبعاث الوطنية الصادرة عام 2012 لضمان الحد من تأثيرها الضار.

أبدى سكان بغداد امتعاضهم من الروائح الكريهة المصاحبة لهذه السحب والتي تشبه رائحة الكبريت، ونقلوا شعورهم بالاختناق وعدم القدرة على التنفس بحرية وفقاً لما أوردته شبكة "رووداو الإعلامية" الأربعاء، وقال الكثير منهم إن الأطفال وكبار السن والمصابين بأمراض القلب والجهاز التنفسي يشعرون بالمعاناة بشكل أكبر، وهو ما أكدته البيانات العالمية لمؤشر جودة الهواء حيث احتلت بغداد المرتبة الثانية بين أكثر مدن العالم تلوثاً بمؤشر بلغ 150 نقطة، مستوى يشكل خطراً حقيقياً على الصحة.

تفسير وزارة البيئة

المتحدث باسم وزارة البيئة لؤي المختار أوضح أن الظاهرة ليست مجرد رائحة كبريت كما اعتقد البعض، بل هي ضباب دخاني يتألف من مجموعة من الغازات المنبعثة نتيجة الأنشطة المختلفة في المدينة مثل السيارات والمولدات والمعامل والصناعات، وأكد المختار أن السبب الرئيسي لانتشار هذه الغازات في الجو هو حالة طقسية تعرف بالانقلاب الحراري تحدث عادة في فترات الانتقال بين الفصول، حيث تصبح طبقة الهواء القريبة من سطح الأرض أبرد من الطبقات العليا، ما يمنع تسرب الانبعاثات إلى الأعلى ويؤدي إلى حبسها بالقرب من الأرض.

احتباس الغازات وانعكاساتها

أوضح المختار أن هذا الاحتباس يحدث عادة عندما تكون سرعة الرياح منخفضة، ما يسمح للغازات الملوثة بالتجمع وتكوين ما يسمى الضباب الدخاني، وأضاف أن وجود الرطوبة في الهواء يزيد من تفاعل هذه الغازات ويجعلها أكثر كثافة، ما يزيد من المخاطر الصحية لسكان المدينة، خصوصاً بالنسبة للأطفال وكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة.

أشار المختار إلى أن الحل لتقليل حدة هذه ظاهرة الضباب الدخاني يتمثل في الالتزام بتعليمات محددات الانبعاث الوطنية الصادرة عام 2012، والتي تلزم جميع الأنشطة باستخدام تقنيات معالجة الانبعاثات وفحص جميع السيارات بشكل دوري، وأكد أن هذه الإجراءات ضرورية للحفاظ على مستويات مقبولة من جودة الهواء ومنع تكرار ظاهرة الضباب الدخاني بقوة كبيرة تؤثر في حياة السكان.

رقابة على عشرة آلاف نشاط

ولفت المختار إلى أن وزارة البيئة تراقب أكثر من عشرة آلاف نشاط في العاصمة تشمل المصانع ومحطات توليد الطاقة ومصافي النفط ومواقع طمر النفايات، وأضاف أن عملية الرقابة اليومية على هذا العدد الكبير من الأنشطة ليست سهلة، لكنها تتم عبر جولات تفتيشية منتظمة تشمل المناطق الصناعية ومواقع النفايات. وأوضح أن المخالفين يواجهون عقوبات تشمل الغرامة أو الإغلاق المؤقت أو الدائم، في حين يتم إزالة بعض الأنشطة غير الرسمية بشكل كامل لمنع التلوث.

مصادر التلوث الرئيسية

تتوزع مصادر التلوث في بغداد بين مصفاة الدورة ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، ومصانع الأسفلت والطابوق، ومواقع حرق النفايات، فضلاً عن الانبعاثات الناتجة عن السيارات والمولدات المنتشرة في جميع أحياء العاصمة، وأشار المختار إلى أن هذه الانبعاثات تشكل ضغطاً بيئياً مستمراً على سكان المدينة، وأن سوء التخطيط الحضري والصناعي أسهم في تفاقم المشكلة، حيث تنتشر الصناعات الملوثة ومواقع الطمر عشوائياً دون رقابة كافية.

الريف أنقى من المدينة

وأشار المختار إلى أن الهواء في المناطق الريفية يظل أنقى مقارنة بالمدينة بسبب قلة الانبعاثات الصناعية وتواجد عدد أقل من السكان والأنشطة الملوثة، وأوضح أن هذه قاعدة عامة لا تقتصر على العراق فقط، بل تتكرر في المدن الكبرى حول العالم، حيث تزداد المشاكل البيئية مع تركز الأنشطة البشرية والصناعية.

أضاف المختار أن الضباب الدخاني يؤدي إلى تفاقم مشاكل الجهاز التنفسي لدى الأطفال وكبار السن، ويسهم في ارتفاع حالات الحساسية والالتهابات الجلدية والجهازية. وأشار إلى أن هذه الظاهرة تؤثر أيضاً في النشاط اليومي للسكان، ما يحد من الحركة في الشوارع ويدفع البعض للبقاء في المنازل لحماية صحتهم من الانبعاثات الضارة.

التوعية والالتزام الجماعي

أكد المختار أهمية التزام جميع الجهات بقرارات محددات الانبعاث، موضحاً أن الالتزام الفردي والجماعي يمكن أن يقلل من انتشار الضباب الدخاني ويحسن جودة الهواء في العاصمة، وأضاف أن المواطنين أنفسهم يمكن أن يسهموا من خلال الحد من استخدام السيارات الخاصة والتقيد بإجراءات إدارة النفايات وعدم حرق المخلفات في الهواء الطلق.

تواجه بغداد منذ سنوات تحديات بيئية كبيرة بسبب التوسع السكاني والصناعي العشوائي، إلى جانب سوء إدارة النفايات وحرقها في الهواء الطلق، وتعرف المدينة بمستويات عالية من التلوث الصناعي والناتج عن المركبات، وهو ما يجعلها من بين المدن الأكثر تلوثاً في المنطقة.

 الضباب الدخاني ظاهرة موسمية تتفاقم مع تغير الفصول، خصوصاً عند الانتقال من الخريف إلى الشتاء، حيث تؤدي التغيرات في درجات الحرارة إلى حبس الانبعاثات القريبة من الأرض. وتوضح الدراسات أن الالتزام بمعايير الانبعاث الوطنية واستخدام التقنيات الحديثة في المعامل والمصانع، بالإضافة إلى الرقابة الفعالة على المركبات ومصادر الطاقة، يمكن أن يقلل من هذه الظاهرة بشكل ملاحظ ويحسن الصحة العامة لسكان المدينة، كما تشير الخبرات الدولية إلى أن تحسين التخطيط الحضري وإعادة توزيع المناطق الصناعية بعيداً عن الأحياء السكنية يسهم في تقليل التعرض للملوثات بشكل فعال، وهو ما يمكن أن يكون نموذجاً قابلاً للتطبيق في بغداد لتحسين جودة الحياة وصحة السكان على المدى الطويل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية